مرة أخرى تستطلع آراء العراقيين حول حياتهم ومستقبل بلادهم، ومرة أخرى يستنتج أن العراقيين "أكثر تفاؤلا" أو ربما بتعبير أدق "أقل تشاؤما"، بالقياس إلى استطلاعات سابقة.
الأمن يشكل الهاجس الأكبر لدى العراقيين
"اطلع على تفاصيل الاستفتاء"
والتفاؤل هنا نسبي بحسب المناطق التي يعيش فيها من شاركوا في الاستفتاء إضافة إلى كونه نسبيا داخل المناطق نفسها. لكن ما يلفت الانتباه أن المناطق السنية بدت "أكثر تفاؤلا" قياسا بنتائج الاستطلاعات المشابهة التي أجريت في السنوات القليلة الماضية.
انقسام طائفي وعرقي
وينعكس الانقسام الحاد الذي يشهده المجتمع العراقي على نتائج الاستطلاع بوضوح، إذ يتباين الموقف حسب المناطق ونوعية قاطنيها من الفئات الثلاث التي يقسم المجتمع العراقي على أساسها (الشيعة والسنة والأكراد).
ففي ما يتعلق بسؤال حول ما إذا كانت حياة المستطلعة آراؤهم أفضل الأن أم لا، يجيب 33 بالمئة فقط من سكان المناطق السنية بنعم، لكن هذه النسبة ترتفع في مناطق الشيعة الى 62 بالمئة وهي أعلى بكثير في مناطق الأكراد (73 بالمئة).
شحة الوقود في بلد يملك احتياطا كبيرا منه
غير أن العامل المشترك بين المناطق المختلفة هو ارتفاع نسبة من يعتقدون أن حياتهم "أفضل الآن". واللافت أن الزيادة في المناطق السنية عن استطلاع العام الماضي بلغت 21 في المئة، بينما لم تزد عن 8 بالمئة في مناطق الشيعة في حين سجلت زيادة أكبر في المناطق الكردية.
المستقبل والأمن والأمريكيون
وفي الإجابة عن سؤال حول ما يتوقعه العراقيون لبلادهم خلال سنة من الآن يرى 45 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع بأن الأمور ستكون أفضل وبالرغم من أن هذه النسبة تقل عن نصف المشاركين، لكنها تكاد تكون ضعفي النتيجة التي توصل إليها استطلاع أجري قبل ستة أشهر، فقد رأى 23 بالمئة فقط، آنذاك، أن الوضع مقبل على التحسن.
وهنا أيضا ارتفعت نسبة المتفائلين في المناطق الثلاث لكنها ظلت متباينة وتسلسلها هو ذاته أي: الأكراد هم الأكثر تفاؤلا (58 بالمئة) ثم الشيعة في الوسط (51 بالمئة) وأخيرا السنة (29 بالمئة).
وفي ما يتعلق بالوضع الأمني تعتقد غالبية المشاركين في الاستطلاع وعددهم 2,228 شخصا من مختلف المحافظات العراقية، أن مستوى الأمن في مناطقها قد تحسن مقارنة بالسنة الماضية، لكن الهاجس الأمني لا يزال يمثل العقدة الأساسية.
دور المرأة يزداد تهميشا
ومع أن الغالبية ترى أن وجود القوات الأمريكية زاد من سوء الوضع الأمني، فإن عدد الذين يريدون انسحابا فوريا لتلك القوات هبط مقارنة بالسنة الماضية.
ثلاثة عوامل
فما الذي تغير خلال فترة ستة أشهر كي يرتفع مؤشر التفاؤل العراقي، ومن هو صاحب الفضل في تحسن الوضع الأمني حسب ما خلصت إليه النتائج العامة للاستطلاع؟
الإجابة عن هذا السؤال تتضمنها تفاصيل النتائج التي تورد بإيضاح أن 36 بالمئة من المشاركين في المناطق السنية يعتقدون أن وراء ذلك قوات الصحوة التي شكلت حديثا، بينما يعزو 21 في المئة من المناطق الشيعية ذلك إلى قوات الأمن الحكومية، في حين يرى الأكراد أن الفضل يعود لـ "طرف آخر".
لا بد من القول أن ثلاثة عوامل رئيسية لعبت دورا مهما في تحسين الوضع الأمني في العراق وخفض مستوى العنف بدرجة ملحوظة خلال الأشهر الماضية، رغم أن هذا الهدوء لم يكن مستتبا بل تعكر صفوه من حين لآخر أعمال عنف لا تقل دموية عما جرى خلال السنوات الخمس الماضية.
والعوامل الثلاثة هي:
العمليات الأمنية التي جرت العام الماضي في بغداد وانتقلت إلى مناطق آخرى من العراق.
تشكيل قوات سنية أطلق عليها "مجالس الصحوة" تمكنت من فرض نوع من التوازن مع مسلحي "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" والمسلحين الآخرين من بقايا أجهزة الحكم السابق.
خفوت النشاط المسلح للميليشيات الشيعية ارتباطا بإعلان "جيش المهدي" عن تجميد عملياته، والتزام الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر بوقف نشاط "جيش المهدي" وهي حالة يمكن توصيفها بـ "الهدنة".
الثقة
يبدو من نتائج الاستطلاع أن الحكومة استعادت بعض الثقة بها، رغم أنها لم تفلح في تجديد نفسها أو في إصلاح الخلل الذي تعانيه بسبب تركيبتها غير المتجانسة والمستندة الى مبدأ المحاصصة الطائفية والقومية.
وكانت الثقة بالحكومة قد هبطت من 53 بالمئة عام 2004 إلى 39 بالمئة في مارس/ آذار العام الماضي، لكنها عاودت الارتفاع في الاستطلاع الحالي إلى 49 بالمئة.
ويكمن المؤشر على عدم تحقق الثقة المطلوبة في طيات نتائج الاستطلاع التي تؤكد أن الغالبية تريد أن تكون في العراق حكومة مركزية قوية تقود بلدا موحدا، إذ يقف إلى جانب ذلك 66 بالمئة من مجموع المشاركين في المناطق الثلاث.
والنسب هنا متباينة أيضا، فسكان المناطق السنية يصوتون بقوة لصالح هذا الخيار (95 بالمئة) كما يصوت الشيعة بنسبة عالية ايضا هي 67 بالمئة، أما سكان المناطق الكردية ذات الخصوصية القومية والتي تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي فلا يوافقون على ذلك باستثناء نسبة ضئيلة منهم هي 10 بالمئة فقط.
ومن الواضح أن ذلك يندرج أيضا في إطار غياب الثقة، إذ لا يميل السكان الأكراد عادة إلى الثقة بالحكومات المركزية في بغداد بسبب الظروف التي مروا بها.
أما الثقة بالميليشيات المحلية فقد هبطت الى أدنى مستوياتها إذ سجلت 22 بالمئة مقارنة بـ 36 بالمئة في عام 2007، واللافت أن ثقة الشيعة بالميليشيا انحدرت من 51 بالمئة في مارس/ آذار 2007 إلى 28 بالمئة في فبراير/ شباط 2008.
تباين حاد
وشأن الثقة بالحكومة ارتفعت قليلا الثقة بالأمريكيين، رغم أنها لم تحقق المستوى الذي حققته في فترة ما بعد الدخول إلى العراق. فقد كانت نسبة العراقيين الذين يثقون بالقوات الأمريكية وقوات التحالف 25 بالمئة في استطلاع فبراير/ شباط 2004. لكن نسبتهم هبطت الى 14 بالمئة في استطلاع 2007 ثم ارتفعت قليلا الى 20 بالمئة في الاستطلاع الحالي.
ولا شك أن النسب التي أوردتها الاستطلاعات جميعها والتي لم تتجاوز 25 بالمئة في أحسن الأحوال، تؤكد ضعف الثقة عموما بتلك القوات.
ومرة أخرى نرى أن الثقة بالإمريكان متباينة بصورة حادة حسب المناطق، ففي حين لا يثق بقواتهم من السنّة سوى 3 بالمئة وهو مؤشر واضح على فقدان الثقة، ترتفع هذه النسبة الى 18 بالمئة في مناطق الشيعة وهي بدورها نسبة ضئيلة، لكنها تقفز الى 55 بالمئة في مناطق الأكراد، لسبب من الواضح أنه يتعلق بما طرأ من تحسن كبير على الوضع في كردستان العراق بعد دخول القوات الأمريكية.
نوعية الحياة في العراق
الاستطلاع يؤكد توفر المواد الغذائية اليومية
وتكاد آراء العراقيين من المناطق التي يسكنها الشيعة أو السنه متطابقة في تقييم نوعية الحياة التي يعيشونها من حيث توفر بعض ضرورات الحياة كالكهرباء والماء والوقود والرعاية الصحية ، إذ ترى نسبة عالية من المستطلعة آراؤهم أن مستوى تلك الخدمات "ردي"، على عكس ما يراه سكان المناطق الكردية للأسباب ذاتها.
هذا هو الاستطلاع الخامس من نوعه الذي يجرى منذ دخول القوات الأمريكية للعراق وإزاحة النظام السابق من الحكم. وقد اجرته وكالتان عالميتان لصالح عدد من الشبكات الإعلامية (بي بي سي وايه بي سي إضافة إلى أن أتش كيه اليابانية وأيه آر دي الألمانية).
لكن جميع هذه الاستطلاعات أظهرت نتائج متباينة في مناطق العراق المختلفة وفقا لطبيعة سكانها. ولا يخفى أن التباين في الآراء يعكس تباينا في الواقع، ولو أن استفتاء أجرى في ظروف أخرى أو فترات مختلفة من تاريخ العراق لأظهر اختلافا أيضا في الموقف من الكثير من جوانب الحياة.
لكن لا بد من الاستنتاج في ضوء نتائج تلك الاستطلاعات أن التباين في الظروف الحالية التي يمر بها العراق يتعلق بقضايا حساسة مثل مستقبل البلاد وأمن المواطنين ووجود القوات الأجنبية، وتكمن الخشية في أن يتكرس مثل هذا التباين الذي يشكل مؤشرا خطرا على مستقبل المجتمع العراقي.